الحمد لله رب الخائفين , أشهد أنه لا إله إلا هو .
ورسوله سيد الخائفين , وقدوة الخاشعين . صلى الله عليه وسلم . أما بعد
الإخوة
الأفاضل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الحمد لله الذي
كرمنا على الخلق , وجبلنا على حب الشرف , لأنه رفعة في الدرجات , وأمن في
الحياة , وتميز على الكائنات .
وليس الشرف في كثرة المال , لأنه
فتنة . وليس الشرف في النسب , لأن شرف الإنسان في طاعته لربه وليست في نسبه
. قال تعالى : " ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً
وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير " . الحجرات
: 13
إذاً الشرف الحقيقي هو طاعة الله , لأن الله يرفع أهلها ,
إذ قال : " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " .
المجادلة : 11
والطاعة هي الوظيفة التي من أجلها خلقنا , فشرفنا
بها , وهلاكنا بتركها . وبدن بلا طاعة كشجرة بلا ثمر وشمعة بلا نور , ولكن
ضعفت الطاعة في النفوس و ثقلت على الكثير. وسبب هذا الضعف والترك هو خلو
القلب من خوف الله تعالى ونسيانه . ولما خلت القلوب من خوف الله ملئت بحب
الدنيا وتواردت عليه المعاصي حتى اسودت وقست وانتكست , ولما نست الله
أنساها الله أنفسها بل ونسيها , والقلوب لا تحيا إلا بالخوف من الله , لأن
سياطها الذي يسوقها إلى الله ويدلها على الخير ويحذرها من الشر , وهو نورها
الذي ينورها لتهتدي إلى صراط مستقيم , وتؤمن بالله إيماناً صادقاً , وتعمل
عملاً صالحاً , وتحيا حياة سعيدة .
والخوف . . هو بضاعة الصالحين
والصالحات , لأنه يكف الجوارح عن المعاصي ويقيدها بالطاعات , والخوف يحرق
الشهوات المحرمة فتصير المعاصي المحبوبة عندها مكروهة .
بالخوف . .
نسلم من الأهواء والشهوات , وتتأدب جوارحنا ويكون قلبنا خاشعاً متذللاً لله
.
وبالخوف . . نسلم من الكبر والحقد والحسد , وننشغل بمحاسبة نفسنا
ومراقبتها .
ومما يدل على أهمية الخوف أن الله تعالى قدمه على الرجاء ,
ليكون العبد خائفاً ربه في دنياه . . راجياً ربه في أخراه . يقول الله
تعالى :
" تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما
رزقناهم ينفقون " . السجدة : 16 ويقول : " أمن هو قانت أناء الليل
ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون
والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب " الزمر : 9
وقد جمع
الله للخائفين الهدى والرحمة والعلم والرضوان , وهي مجامع ومقام أهل الجنان
يقول الله تعالى:" هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون "الأعراف 154
ويقول
تعالى : " رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه " . البينة : 8
والخوف . . صفة من صفات الملائكة رضوان الله عليهم . . فإنهم أهل خوف دائم ,
لأنهم أعرف الخلق بالله - ومن كان لله أعرف كان منه أخوف - يقول تعالى : "
يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون " آل عمران 175 . ويقول صلى الله
عليه وسلم :" مررت ليلة أسري بي بالملأ الأعلى وجبريل كالحلس البالي من
خشية الله تعالى , وقال صلى الله عليه وسلم لجبريل: ما لي لا أرى ميكائيل
يضحك . قال : يا محمد ما ضحك ميكائيل منذ خلق الله النار " .
وهكذا
حال العارفين بالله تعالى .
فقد ورد أن الحسن البصري مر على شباب
يضحكون .فقال لهم : هل أخذتم كتبكم بأيمانكم ؟ قالوا : لا . قال : هل
عبرتم الصراط إلى الجنة ؟ قالوا : لا .
قال : فلم تضحكون وأنتم لا
تدرون أين تصيرون ؟!!! .
والخوف . . صفة من صفات الأنبياء . . فها هو
رسولنا صلى الله عليه وسلم أشد الناس خشية لله وأكثرهم خوفاً منه . يقول
صلى الله عليه وسلم : " أما أني أخشاكم لله وأتقاكم له " .
والخوف . .
صفة من صفات أهل الإيمان . . يقول تعالى : " والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم
وجلة أنهم إلى ربهم راجعون . أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون " .
المؤمنون : 60- 61
قالت عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله هؤلاء هم
الذين يسرقون ويشربون الخمر ويزنون , ومع ذلك يخافون الله . قال : " لا يا
ابنة الصديق , هم الذين يصومون ويتصدقون ويخافون ألا يتقبل الله منهم ,
أولئك يسارعون في الخيرات " .
• وكان أبو بكر رضي الله عنه من أشد
الناس خوفاً من الله , إذ كان يأخذ بلسان نفسه ويقول : هذا الذي أوردني
الموارد .
• وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أشد الناس خوفاً من
الله . يقول : لو نادى منادٍ من السماء : أيها الناس كلكم يدخل الجنة إلا
رجل واحد , لظننت أن أكون هو . وكان في وجهه خطان أسودان من كثرة البكاء .
•
وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه خائفاً لله تعالى , إذا وقف على القبر
بكى حتى يبلل لحيته , وقال : لو أني بين الجنة والنار , ولا أدرك إلى أيهما
أصير , لاخترت أن أكون رماداً .
أيها الأحبة : الخوف سبب من أسباب
دخول الجنة . . يقول الله تعالى : " ولمن خاف مقام ربه جنتان " . الرحمن :
46
ويقول تعالى : " وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى . فإن
الجنة هي المأوى " . الطور : 40-41
والخوف سبب من أسباب النجاة من
النار . . ففي الحديث : " عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشية الله ,
وعين باتت تحرس في سبيل الله "
• ومن حكمة الله تعالى أنه لا يجمع على
عبده بين أمنين ولا خوفين . من خاف في الدنيا أمنه الله يوم القيامة . ومن
أمن في الدنيا أخافه الله يوم القيامة , ومن خاف الله أخاف منه كل شيء .
•
فهل حققنا الخوف ليغمر القلوب وتؤدى العبادة على أكمل وجه , ونقدر الله حق
قدره ونعظمه حق تعظيمه . وفق الله الجميع للعمل بكتابه , وبسنة نبيه صلى
الله عليه وسلم .